نشأ «موشيه أوينونو» في عصر ما قبل الإنترنت، وكان يحصل على أخباره بالطريقة القديمة. يقول: «كنا ننتظر في الصباح حتى صدور صحيفة شيكاغو تريبيون ونرى ما حدث في العالم». كانت هناك أيضاً أخبار في الراديو والتلفزيون، حيث بنى أوينونو مسيرته المهنية كمنتج لشبكات «سي بي إس» وفوكس وبلومبيرج. واليوم، اجتاح تسونامي المعلومات على شبكة الإنترنت ذلك العالم الذي يتسم بالأنظمة الإخبارية المستقرة مع مجموعته المحدودة من المصادر الإعلامية التي وصلت إلى العديد من الأسر الأميركية. يحصل نصف البالغين في الولايات المتحدة الآن على أخبارهم، جزئياً على الأقل، من وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أدى ذلك إلى انخفاض حاد في إيرادات الصحف وغيرها من ناشري المحتوى الإخباري، حيث امتصت المنصات الرقمية مثل «فيسبوك»، و«إنستجرام»، و«جوجل» معظم أموال الإعلانات التي كانت لعقود من الزمن تدعم معظم الصحافة. وفي عام 2006، حصلت الصحف الأميركية على 49 مليار دولار من عائدات الإعلانات. وبحلول عام 2022، انخفض هذا المبلغ إلى أقل من 10 مليارات دولار.
لا تعمل هذه المنصات الرقمية على تشكيل كيفية وتوقيت حصول الأميركيين على أخبارهم فحسب، بل إنها تعمل على توجيههم بشكل متزايد بعيداً عنها تماماً، من خلال تقليل أولوية الأخبار في موجزاتها الخوارزمية. ومن المفارقات أنه في حين أن مستهلكي الأخبار اليوم يتمتعون بإمكانية وصول أكبر من أي وقت مضى إلى مجموعة واسعة من المعلومات ووجهات النظر، ومعظمها مجاني، فإن العديد من المواطنين يؤثرون متابعة ملفات البودكاست ومقاطع الفيديو والمحتويات الرقمية الأخرى التي تتحايل على «الأخبار الصعبة» الأكثر خطورة.
يقول «بنجامين توف»، الأستاذ المساعد للصحافة في جامعة مينيسوتا، إن الكثير من الناس لم يعودوا يثقون بقدرة الصحفيين على نقل الأخبار بدقة ونزاهة. في الولايات المتحدة، اعترض المحافظون منذ فترة طويلة على ما يقولون إنه تحيز ليبرالي في المؤسسات الإخبارية الرئيسية، وهو الشعور الذي ساعد على تغذية نمو النظام البيئي الإعلامي اليميني. على مدار العقد الماضي، عمل الرئيس السابق دونالد ترامب على تسريع وتيرة انعدام الثقة بشكل كبير من خلال انتقاد وسائل الإعلام التي تنشر «أخباراً مزيفة»، غالباً في محاولة لتشويه سمعة العناوين الرئيسية المنتقدة له.
ومع ذلك، فإن الجدل حول التحيز الإعلامي قد يغفل النقطة الأكبر، وهي أن عدداً متزايداً من الناس يتجاهلون الأخبار تماماً.
يقول البروفيسور توف: «هناك شريحة أكبر من الجمهور تكون في الغالب غير مبالية بالأخبار. وهم يقولون في الاستطلاع إنهم لا يثقون، لكن هذا ليس انعدام ثقة تام. إنه في الواقع مجرد شك حول قيمة الأخبار وعلاقتها بحياتهم».
من المؤكد أن كثيرين كانوا يستخفون منذ فترة طويلة بالأخبار باعتبارها محبطة، أو مملة، أو غير ذات صلة. ومع ذلك، خلال معظم القرن الماضي، شقت الأخبار طريقها إلى الحياة اليومية لمعظم الأميركيين إما عبر صحيفة تم شراؤها أساساً للاطلاع على أخبار الرياضة والطقس، أو من خلال نشرة الأخبار التلفزيونية. واليوم، تعمل شبكة الإنترنت وصعود البث المباشر على الإنترنت على جعل هذا النوع من الاستهلاك غير الرسمي للأخبار أقل احتمالاً بكثير.
وقد ظلت الثقة في وسائل الإعلام الإخبارية تتراجع منذ عقود، إلى جانب فقدان الثقة على نطاق أوسع في المؤسسات العامة الأخرى. يقول أربعة من كل 10 أميركيين اليوم إنهم «ليس لديهم ثقة» في التقارير الإخبارية التي تقدمها وسائل الإعلام، في حين أن 32% فقط لديهم «قدر كبير» أو «قدر لا بأس به» من الثقة. وبالعودة إلى عام 2003، عندما طرحت مؤسسة جالوب السؤال نفسه، أعرب واحد فقط من كل 10 عن «عدم الثقة» في حين أعرب أكثر من نصفهم عن الثقة.
من المرجح أن يكون لهذا التراجع في الثقة بالصحافة الحرة وزوال العادات الإخبارية التقليدية عواقب وخيمة، خاصة بالنسبة لصناعة الصحافة. فقد تم إغلاق حوالي 3000 صحيفة منذ عام 2005، وأكثر من 200 مقاطعة في جميع أنحاء أميركا ليس لديها الآن مصادر أخبار محلية. ومع إغلاق وسائل الإعلام وتسريح المراسلين والمحررين لخفض التكاليف، يصبح من الصعب استعادة ثقة الجمهور.
وربما يؤدي الافتقار إلى الأخبار المشتركة إلى عدم قدرة المواطنين على التعامل مع بعضهم البعض بناءً على مجموعة مشتركة من الحقائق والأفكار. إذ تعتمد الديمقراطيات على ناخبين مطلعين يتمتعون بنوع من المعرفة الأساسية التي يبنون عليها اختياراتهم. وعادة ما يسير الانفصال عن الأخبار جنباً إلى جنب مع الانفصال عن السياسة والتصويت والحياة المدنية.
قد تستمر حفنة من المؤسسات الإعلامية الكبيرة ذات المشتركين الأثرياء نسبياً في البقاء، إلى جانب محطات البث العامة وشبكات الأخبار الوطنية المرتبطة بأقسام الترفيه. لكن نجاحها النسبي قد يؤدي فقط إلى تعميق الفجوة بين مجموعة فرعية صغيرة من الناخبين الذين لديهم اطلاع جيد على الشؤون العامة، وأولئك الذين في الخارج ينظرون إلى الأمر أو يتجاهلونه.
يقول «فيكتور بيكارد»، أستاذ السياسة الإعلامية في جامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «ديمقراطية بلا صحافة؟ مواجهة مجتمع المعلومات المضللة»: «لا يقتصر الأمر على أن الأخبار المستندة إلى الحقائق أصبحت أكثر ندرة، حيث يوجد عدد أقل من الصحفيين، وعدد أقل من المؤسسات الإخبارية، ولكن أيضاً وسائل الإعلام الإخبارية الموثوقة وعالية الجودة أصبحت تتبع نظام حظر الاشتراك غير المدفوع».
وفي العالم الرقمي المشرذم، حيث غالباً ما تتفوق الآراء وفيديوهات الهواة على الصحافة القائمة على الأدلة، لم تعد الخبرة ذات وزن، كما يقول «جيفري دفوركين»، مؤلف كتاب «الوثوق في الأخبار في العصر الرقمي». وتزدهر نظريات المؤامرة في مثل هذه الأماكن، كما تزدهر المعلومات المضللة من قبل روسيا والقوى الأجنبية الأخرى.
في استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2023، قال 32% من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً إنهم يحصلون على أخبارهم بانتظام من منصة تيك توك، التي تفضل مقاطع الفيديو القصيرة التي ينشئها المستخدمون.
من ناحية أخرى، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد كميات هائلة من المحتوى الإخباري، فضلاً عن الصور والتسجيلات الصوتية المزيفة، يزيد التحدي الذي يواجه وسائل الإعلام الإخبارية المستقلة القائمة على الحقائق. من المرجح أن يشهد الجمهور عبر الإنترنت، الذي يعاني بالفعل من محو الأمية الإعلامية، زيادة في الأخبار المزيفة التي يولدها الذكاء الاصطناعي، مما يزيد عدم الثقة العام تجاه جميع مصادر الأخبار.
سيمون مونتليك
صحفي بارز في «كريستيان ساينس مونيتور»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»